﴿ (15) باب صلاة التطوع ﴾
۞۞۞۞۞۞۞
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: التَّطَوُّعُ تَكْمُلُ بِهِ صَلاَةُ الْفَرْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَبَقِيَّةُ الأَعْمَالِ، وَأَفْضَلُ التَّطَوُّعِ: الْجِهَادُ، ثُمَّ تَوَابِعُهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لاَ خَيْرَ فِيهِمْ.
وَعَنْ أَحْمَدَ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّت نِيَّتُهُ، وَقَالَ: تَذَاكُرُ بَعْضِ لَيْلَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِحْيَائِهَا، وَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ الرَّجُلُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ، قِيلَ لَهُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: الَّذِي لاَ يَسَعُهُ جَهْلُهُ، صَلاَتُهُ وَصَوْمُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّلاةُ؛ لِحَدِيثِ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاةُ»، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ مِنْ: عِيَادَةِ مَرِيضٍ، أَوْ قَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ، أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَبِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ؟ إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: اتِّبَاعُ الْجَنَازَةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلاةِ وَمَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ يَتَفَاوَتُ؛ فَصَدَقَةُ قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقٍ، وَهُيَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، إِلاَّ فِي زَمَنِ مَجَاعَةٍ، ثُمَّ حَجٌّ، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ الشَّيْخُ: تَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ يَدْخُلُ فِي الْجِهَادِ، وَأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ.
وَقَالَ: اسْتِيعَابُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْعِبَادَةِ لَيْلاً وَنَهَارًا أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي لَمْ يَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ يُشْبِهُ الْحَجَّ شَيْءٌ؛ لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ، وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ، وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلُهُ؛ عَشِيَّةُ عَرَفَةَ، وَفِيهِ إِنْهَاكُ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ: قَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلَ فِي حَالٍ؛ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ: انْظُرْ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِقَلْبِكَ فَافْعَلْهُ، وَرَجَّحَ أَحْمَدُ فَضِيلَةَ الْفِكْرِ عَلَى الصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ، فَقَدْ يَتَوَجَّهُ مِنْهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَأَنَّ مُرَادَ الأَصْحَابِ عَمَلُ الْجَوَارِحِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللهِ»، وَحَدِيثُ: «أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ وَتُبْغِضَ فِي اللهِ»